ظرة علي قانون الأحوال الشخصية
الرجوع إلى: محكمة الاسرة وقوانين الأحوال الشخصية
مقدم المحتوى : المتحدة للبرمجيات
د/ محمد سليم العوا يعلق علي المسائل التي يثيرها قانون الأحوال الشخصية بقوله :
إن الاهتمام الذي يلقاه مشروع قانون الأحوال الشخصية الجديد اهتمام مبرَّر ومشروع، فالقانون يمسّ حياة كل أسرة في مصر،, ويؤثِّر عليها تأثيرًا مباشرًا،, وهو تأثير يرحِّب به بعضنا، ويعترض عليه آخرون، والوصول إلي أفضل الصيغ وأحسن الأحكام لا يتمّ إلا بمداولة واسعة من أصحاب الآراء المتباينة، والمسائل التي يثيرها مشروع القانون كثيرة، ولا يتَّسع المقام لمناقشتها جميعًا .
ولذلك أوجز القول في أهم هذه المسائل مرجئًا التفصيل إلى مقام آخر:
المسألة الأولى - الإحالة إلى المذاهب الأربعة
تنص المادة الثالثة من مواد إصدار مشروع القانون على أن يعمل فيما لم يرد بشأنه نص في تلك القوانين [قوانين الأحوال الشخصية والوقف] بأرجح الأقوال في مذهب الإمام أبي حنيفة، وذلك عدا قواعد الإثبات فيعمل في شأنها بأرجح الأقوال في المذاهب الفقهية الأربعة .
والإحالة إلى أرجح الأقوال في مذهب الإمام أبي حنيفة إحالة إلى قول معروف محدَّد في المذهب، يعرف قضاة الأحوال الشخصية في مصر مصادره وموارده، ويتعاملون معه بقضاء متوالٍ مستقر منذ صدرت قوانين تنظيم القضاء الشرعي قبل أكثر من مائة سنة (لائحة القضاء الشرعي سنة 1897)، ويعرفه طلاب العلم الشرعي والقانوني فيما يدرسونه من مادتي تاريخ الفقه وتاريخ المذاهب في كليات الشريعة والقانون وفيما يتداولونه من مؤلفات أعلام العلماء الذين كتبوا في مادة (المدخل لدراسة الفقه الإسلامي) منذ أنشئت مدرسة الحقوق الخديوية في هذا القرن حتى اليوم. أما الإحالة إلي أرجح الأقوال في المذاهب الأربعة الفقهية فهي تكليف بما يشبه المستحيل؛ لأن لكل مذهب أصوله وقواعده التي تختارها أرجح الأقوال فيه. والمقرر شرعًا وفقهًا أنه لا يحكم بمذهب على مذهب، أي لا يجوز أن يقال: إن هذا أحق من ذاك، لأن مذهبًا أخذ بالأول ومذهبًا آخر أخذ بالثاني. بل يكون الترجيح بالدليل وقوته وسلامة وضعه في موضع الاستدلال (ما يسميه الفقهاء مأخذ الدليل). ولذلك لا يرجح حتى بالكثرة .
كأن نقول:
إن ثلاثة مذاهب اتفقت علي قول فهو أرجح من قول أخذ به المذهب، وتكليف القاضي بأن يختار أرجح المذاهب الأربعة، بل أرجح الأقوال فيها معناه تكليفه ببحث كتب هذه المذاهب كافة.. وهي آلاف الكتب المطبوعة سوي المخطوطات التي لا يعلم عددها إلا الله، ثم دراسة أدلة الأقوال في كل مذهب، وفي بعض المذاهب عشرة أقوال في المسألة الواحدة، واختيار أرجح الأقوال ليقضي به. ولا يختلف اثنان عالمان بالفقه على أن هذه المهمة في حكم المستحيل. ولو بقي هذا النص على حاله فسيفتح أبوابًا لا تنتهي للطعن في الأحكام المبنية عليه، وتتضارب أحكام القضاء تضاربًا يهدر الثقة بها، وهما أمران جديران بأن تسد الذرائع إليهما، ويحال بين التشريع وبين أن يوقع القضاء فيهما أو في أيهما. ولذلك أرى أن الاقتصار على الإحالة في المسائل التي ليس فيها نص في القوانين إلى أرجح الأقوال في مذهب الإمام أبي حنيفة تحقيقًا لاستقرار أحكام القضاء واتساقه استقرار التشريع ذاته بعد أن ألف الناس جميعًا تطبيق هذا المذهب لأكثر من قرن من الزمان في محاكم الأحوال الشخصية في مصر. وقد أخذ بهذا التوجه مجلس الشورى عند مناقشته لمشروع القانون، وحري بمجلس الشعب أن يذهب المذهب نفسه. وأضاف مجلس الشورى الإحالة إلى الإثبات الذي أغفل المشروع ذكره، وهي إضافة صحيحة جيدة.
المسألة الثانية - حساب المدد والمواعيد بالتقويم الميلادي
نصت المادة (1) من مشروع القانون
علي أنه تحسب المدد والمواعيد الإجرائية المنصوص عليها في هذا القانون بالتقويم الميلادي والأصل في جميع المدد والمواعيد المتعلقة بالأحكام الشرعية الإسلامية أن تحسب بالتقويم الهجري، فإنه هو التقويم الوحيد الذي تعرفه نصوص الأحكام. وبمقتضى هذا التقويم تعتد المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرة أيام عملا بقول الله تعالي: (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا). وتعتدّ المرأة التي انقطع حيضها, والمرأة التي لم تر الحيض بثلاثة أشهر عملاً بقول الله تعالى: (وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا). وبالتقويم الهجري تحسب مدة الحمل الذي يثبت به نسب الولد بعد الطلاق أو الوفاة. لذلك فإن هذا النص يجب تعديله ليصبح حساب المواعيد والمدد كلها إجرائية وموضوعية في مسائل الأحوال الشخصية كافة بالتقويم الهجري لا الميلادي ولا يرد علي ذلك بما نراه من تضارب في إثبات ميلاد الهلال ونفيه في بداية رمضان وبداية شوال من كل عام، لأن المحاكم منذ كانت تتبع التقويم الهجري الذي تصدره هيئة المساحة المصرية، ولا تعتدّ في بدايات الشهور بالرؤية التي تثبتها دار الإفتاء أو تنفيها، ولم تجد أية مشكلة في شأن حساب المدد والمواعيد بالتقويم الهجري، ولو وقعت فليس سبيل علاجها العدول عنه لما يرتبه ذلك من آثار لا قبل لأحد بتحمل تبعتها أمام الله -عز وجل- إذا طالت بسببها مدة العدة الواجبة شرعًا، أو ثبت بناءً عليها نسب حقه ألا يثبت.
المسألة الثالثة - الإحالة إلي قانون الحسبة
تنص الفقرة الأولى من المادة السادسة من مشروع القانون علي أنه مع عدم الإخلال باختصاص النيابة العامة ترفع الدعوى في مسائل الأحوال الشخصية علي وجه الحسبة المنصوص عليه في القانون رقم3 لسنة 1996، وهذا النص تزيّد لا يليق بالمشرع أن يقع فيه..
فالقانون رقم3 لسنة 1996 هو قانون تنظيم إجراءات مباشرة دعوى الحسبة في مسائل الأحوال الشخصية..
وهو سارٍ في جميع حالات دعاوى الحسبة بغير حاجة إلى النص الجديد عليه في قانون الأحوال الشخصية. والنص بلية في مشروع القانون يوهم بأن المقصود أن دعاوى الأحوال الشخصية لا تباشر إلا على وجه الحسبة، وهو غير صحيح، وغير مقصود، إنما المقصود هو أن الدعاوى التي يرفعها أصحابها بطريق الحسبة لا ترفع إلا وفق الإجراءات المنصوص عليها في القانون رقم 3 لسنة 1996 فإن اللائق بالتشريع الجديد إسقاط هذه الفقرة، لأن حكمها مقرر بنصوص القانون المذكور دون حاجة إلى نص جديد عليه.
المسألة الرابعة - الأدلة القطعية في دعوى النسب
تنص المادة السابعة من مشروع القانون علي عدم قبول دعوى الإقرار بالنسب أو الشهادة على الإقرار به بعد وفاة المورث إلا إذا وجدت أوراق رسمية أو توافرت أدلة قطعية تدل على صحة الادعاء. ويستوقف النظر في هذا النص كلمتان: المورث، والأدلة القطعية..
فأما المورث
فلعل الأصح أن يسمى المدعي بثبوت النسب إليه؛ لأنه لا يصير مورثًا للمدعي بالنسب إلا بعد ثبوت النسب فعلاً .
وأما الأدلة القطعية
فهي تكرار في جوهرها لعبارة أوراق رسمية، والصحيح هنا أن يقال أدلة تقبلها المحكمة لتترك سلطة القاضي التقديرية دون تدخّل من المشرع، وليكون الاقتناع الحر للمحكمة هو الفيصل فيما تقضي به من ثبوت النسب أو الشهادة على الإقرار به أو عدم الإقرار.
هذا من الناحية القانونية، أما من الناحية الاجتماعية فإن الشكوى التي تتردّد كثيرًا في هذه الحالات هي إنكار الرجال نسب الأبناء، أو إنكار باقي الإخوة نسب أخيهم الذي مات أبوه قبل إثبات نسبه، والغالب أن يكون ذلك في زواج عرفي لم يوثق، والقانون بخصوص معالجة آثار الزواج العرفي، فالأولى هنا أن يوسع باب قبول الدعوى، لا أن يضيق حالاتها ليكون القانون كله محكومًا بمنطق واحد، ولئلا يسلب بيد ما يعطيه باليد الأخرى.
الرجوع إلى: محكمة الاسرة وقوانين الأحوال الشخصية
مقدم المحتوى : المتحدة للبرمجيات
د/ محمد سليم العوا يعلق علي المسائل التي يثيرها قانون الأحوال الشخصية بقوله :
إن الاهتمام الذي يلقاه مشروع قانون الأحوال الشخصية الجديد اهتمام مبرَّر ومشروع، فالقانون يمسّ حياة كل أسرة في مصر،, ويؤثِّر عليها تأثيرًا مباشرًا،, وهو تأثير يرحِّب به بعضنا، ويعترض عليه آخرون، والوصول إلي أفضل الصيغ وأحسن الأحكام لا يتمّ إلا بمداولة واسعة من أصحاب الآراء المتباينة، والمسائل التي يثيرها مشروع القانون كثيرة، ولا يتَّسع المقام لمناقشتها جميعًا .
ولذلك أوجز القول في أهم هذه المسائل مرجئًا التفصيل إلى مقام آخر:
المسألة الأولى - الإحالة إلى المذاهب الأربعة
تنص المادة الثالثة من مواد إصدار مشروع القانون على أن يعمل فيما لم يرد بشأنه نص في تلك القوانين [قوانين الأحوال الشخصية والوقف] بأرجح الأقوال في مذهب الإمام أبي حنيفة، وذلك عدا قواعد الإثبات فيعمل في شأنها بأرجح الأقوال في المذاهب الفقهية الأربعة .
والإحالة إلى أرجح الأقوال في مذهب الإمام أبي حنيفة إحالة إلى قول معروف محدَّد في المذهب، يعرف قضاة الأحوال الشخصية في مصر مصادره وموارده، ويتعاملون معه بقضاء متوالٍ مستقر منذ صدرت قوانين تنظيم القضاء الشرعي قبل أكثر من مائة سنة (لائحة القضاء الشرعي سنة 1897)، ويعرفه طلاب العلم الشرعي والقانوني فيما يدرسونه من مادتي تاريخ الفقه وتاريخ المذاهب في كليات الشريعة والقانون وفيما يتداولونه من مؤلفات أعلام العلماء الذين كتبوا في مادة (المدخل لدراسة الفقه الإسلامي) منذ أنشئت مدرسة الحقوق الخديوية في هذا القرن حتى اليوم. أما الإحالة إلي أرجح الأقوال في المذاهب الأربعة الفقهية فهي تكليف بما يشبه المستحيل؛ لأن لكل مذهب أصوله وقواعده التي تختارها أرجح الأقوال فيه. والمقرر شرعًا وفقهًا أنه لا يحكم بمذهب على مذهب، أي لا يجوز أن يقال: إن هذا أحق من ذاك، لأن مذهبًا أخذ بالأول ومذهبًا آخر أخذ بالثاني. بل يكون الترجيح بالدليل وقوته وسلامة وضعه في موضع الاستدلال (ما يسميه الفقهاء مأخذ الدليل). ولذلك لا يرجح حتى بالكثرة .
كأن نقول:
إن ثلاثة مذاهب اتفقت علي قول فهو أرجح من قول أخذ به المذهب، وتكليف القاضي بأن يختار أرجح المذاهب الأربعة، بل أرجح الأقوال فيها معناه تكليفه ببحث كتب هذه المذاهب كافة.. وهي آلاف الكتب المطبوعة سوي المخطوطات التي لا يعلم عددها إلا الله، ثم دراسة أدلة الأقوال في كل مذهب، وفي بعض المذاهب عشرة أقوال في المسألة الواحدة، واختيار أرجح الأقوال ليقضي به. ولا يختلف اثنان عالمان بالفقه على أن هذه المهمة في حكم المستحيل. ولو بقي هذا النص على حاله فسيفتح أبوابًا لا تنتهي للطعن في الأحكام المبنية عليه، وتتضارب أحكام القضاء تضاربًا يهدر الثقة بها، وهما أمران جديران بأن تسد الذرائع إليهما، ويحال بين التشريع وبين أن يوقع القضاء فيهما أو في أيهما. ولذلك أرى أن الاقتصار على الإحالة في المسائل التي ليس فيها نص في القوانين إلى أرجح الأقوال في مذهب الإمام أبي حنيفة تحقيقًا لاستقرار أحكام القضاء واتساقه استقرار التشريع ذاته بعد أن ألف الناس جميعًا تطبيق هذا المذهب لأكثر من قرن من الزمان في محاكم الأحوال الشخصية في مصر. وقد أخذ بهذا التوجه مجلس الشورى عند مناقشته لمشروع القانون، وحري بمجلس الشعب أن يذهب المذهب نفسه. وأضاف مجلس الشورى الإحالة إلى الإثبات الذي أغفل المشروع ذكره، وهي إضافة صحيحة جيدة.
المسألة الثانية - حساب المدد والمواعيد بالتقويم الميلادي
نصت المادة (1) من مشروع القانون
علي أنه تحسب المدد والمواعيد الإجرائية المنصوص عليها في هذا القانون بالتقويم الميلادي والأصل في جميع المدد والمواعيد المتعلقة بالأحكام الشرعية الإسلامية أن تحسب بالتقويم الهجري، فإنه هو التقويم الوحيد الذي تعرفه نصوص الأحكام. وبمقتضى هذا التقويم تعتد المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرة أيام عملا بقول الله تعالي: (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا). وتعتدّ المرأة التي انقطع حيضها, والمرأة التي لم تر الحيض بثلاثة أشهر عملاً بقول الله تعالى: (وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا). وبالتقويم الهجري تحسب مدة الحمل الذي يثبت به نسب الولد بعد الطلاق أو الوفاة. لذلك فإن هذا النص يجب تعديله ليصبح حساب المواعيد والمدد كلها إجرائية وموضوعية في مسائل الأحوال الشخصية كافة بالتقويم الهجري لا الميلادي ولا يرد علي ذلك بما نراه من تضارب في إثبات ميلاد الهلال ونفيه في بداية رمضان وبداية شوال من كل عام، لأن المحاكم منذ كانت تتبع التقويم الهجري الذي تصدره هيئة المساحة المصرية، ولا تعتدّ في بدايات الشهور بالرؤية التي تثبتها دار الإفتاء أو تنفيها، ولم تجد أية مشكلة في شأن حساب المدد والمواعيد بالتقويم الهجري، ولو وقعت فليس سبيل علاجها العدول عنه لما يرتبه ذلك من آثار لا قبل لأحد بتحمل تبعتها أمام الله -عز وجل- إذا طالت بسببها مدة العدة الواجبة شرعًا، أو ثبت بناءً عليها نسب حقه ألا يثبت.
المسألة الثالثة - الإحالة إلي قانون الحسبة
تنص الفقرة الأولى من المادة السادسة من مشروع القانون علي أنه مع عدم الإخلال باختصاص النيابة العامة ترفع الدعوى في مسائل الأحوال الشخصية علي وجه الحسبة المنصوص عليه في القانون رقم3 لسنة 1996، وهذا النص تزيّد لا يليق بالمشرع أن يقع فيه..
فالقانون رقم3 لسنة 1996 هو قانون تنظيم إجراءات مباشرة دعوى الحسبة في مسائل الأحوال الشخصية..
وهو سارٍ في جميع حالات دعاوى الحسبة بغير حاجة إلى النص الجديد عليه في قانون الأحوال الشخصية. والنص بلية في مشروع القانون يوهم بأن المقصود أن دعاوى الأحوال الشخصية لا تباشر إلا على وجه الحسبة، وهو غير صحيح، وغير مقصود، إنما المقصود هو أن الدعاوى التي يرفعها أصحابها بطريق الحسبة لا ترفع إلا وفق الإجراءات المنصوص عليها في القانون رقم 3 لسنة 1996 فإن اللائق بالتشريع الجديد إسقاط هذه الفقرة، لأن حكمها مقرر بنصوص القانون المذكور دون حاجة إلى نص جديد عليه.
المسألة الرابعة - الأدلة القطعية في دعوى النسب
تنص المادة السابعة من مشروع القانون علي عدم قبول دعوى الإقرار بالنسب أو الشهادة على الإقرار به بعد وفاة المورث إلا إذا وجدت أوراق رسمية أو توافرت أدلة قطعية تدل على صحة الادعاء. ويستوقف النظر في هذا النص كلمتان: المورث، والأدلة القطعية..
فأما المورث
فلعل الأصح أن يسمى المدعي بثبوت النسب إليه؛ لأنه لا يصير مورثًا للمدعي بالنسب إلا بعد ثبوت النسب فعلاً .
وأما الأدلة القطعية
فهي تكرار في جوهرها لعبارة أوراق رسمية، والصحيح هنا أن يقال أدلة تقبلها المحكمة لتترك سلطة القاضي التقديرية دون تدخّل من المشرع، وليكون الاقتناع الحر للمحكمة هو الفيصل فيما تقضي به من ثبوت النسب أو الشهادة على الإقرار به أو عدم الإقرار.
هذا من الناحية القانونية، أما من الناحية الاجتماعية فإن الشكوى التي تتردّد كثيرًا في هذه الحالات هي إنكار الرجال نسب الأبناء، أو إنكار باقي الإخوة نسب أخيهم الذي مات أبوه قبل إثبات نسبه، والغالب أن يكون ذلك في زواج عرفي لم يوثق، والقانون بخصوص معالجة آثار الزواج العرفي، فالأولى هنا أن يوسع باب قبول الدعوى، لا أن يضيق حالاتها ليكون القانون كله محكومًا بمنطق واحد، ولئلا يسلب بيد ما يعطيه باليد الأخرى.